السبت، أكتوبر 09، 2010

إعلام «صاحب المحل»

بقلم سحر الجعارة ٨/ ١٠/ ٢٠١٠
قبل ثلاثة أيام كنت أرفض رؤية الغيوم التى تظلل سماء الصحافة، أقول سرا وجهرا: لم يتم إقصاء الإعلامى «عمرو أديب»، ولا مُنع الدكتور «علاء الأسوانى» من الكتابة، وكأننى أطمئن نفسى أن عام البطش لم يبدأ، أو أن «خريف الغضب» ليس مكتوبا على جيلى، ولن يعصف بهامش الديمقراطية الذى نتحرك فيه. حتى جاءت إقالة الكاتب «إبراهيم عيسى» رئيس تحرير جريدة الدستور، لتعصف بأمنى المفتعل.

لقد تنقلت بين صحف وفضائيات عديدة، حكومية وخاصة، عربية ومصرية، وفى كل تجربة كنت أتأكد من ترسيخ نظرية «صاحب المحل» أى صاحب رأس المال. إنه قبلة الكوادر البشرية العاملة معه، وبوصلة توجهاتهم السياسية والإعلامية، هذه هى الحقيقة رغم كل ما نردده عن فصل الملكية عن الإدارة، واستقلال الإعلام وحرية الصحافة.

والمشهد بأكمله لم يكن خفيا على «إبراهيم عيسى»، الذى عانى غلق جريدته من قبل، وأُبعد عن بعض الفضائيات وجلس على المقهى طويلا!. قد أختلف كثيرا مع أسلوب «عيسى» وتوجهاته السياسية، لكن تجاوزاته المهنية أو نزقه السياسى لا يعنى إعدامه مهنيا!.

المرعب فى الخروج المهين لـ «إبراهيم عيسى» من جريدته أن ذلك تم بإرادة زعامة معارضة تهيمن على الحزب المهيأ لخلافة «الجماعة المحظورة» فى البرلمان، أقصد الدكتور «سيد البدوى»، رئيس حزب الوفد الجديد. وهو نفسه رجل الأعمال الذى يمتلك قنوات «الحياة»، والذى عانى طويلا وخسر أموالا طائلة ليحجب- مضطرا- مشروع قناته الإخبارية، وينتج قنوات ترفيهية أبعد ما تكون عن طموحه الإعلامى!!.

ما الذى دفع «البدوى» إذن لشراء جريدة «الدستور»، بعد أن اختبر مرارة الخسارة فى مشروعات إعلامية، خاصة وهو على رأس حزب يمتلك جريدة يومية «الوفد» قد تتسع لمشروعاته سواء كانت استثمارية أو صحفية؟.

كل الأسئلة تقود لنظرية «شراء الخصوم» بغرض تقليم الأقلام المشاغبة، وإعدامهم أدبيا إذا اقتضى الأمر. فهل تتولى أحزاب المعارضه تنفيذ إرادة النظام نيابة عنه؟، وهل هى منحة مجانية للحكومة أم أن الصفقات الانتخابية تفرض وجودها على الخريطة الإعلامية؟.

أنا أعرف الدكتور «سيد البدوى» بدرجة تسمح بتصديق كل تصريحاته، لكننى أعرف أيضا قوة الضغوط والأوامر العليا، والتوازنات السياسية!.

لقد انتهى «شهر العسل» بين النظام والصحافة «المستقلة تحديدا»، لم يعد لكاتب أو إعلامى أى حصانة بعد اليوم. كل من كتب ضد «التوريث»، أو نادى بتغيير مواد الدستور ٧٦ و٧٧، أو روج لمشروع للجبهة الوطنية للتغيير، أو ناهض انتهاك حقوق الإنسان.. كل هؤلاء فُرض عليهم الخرس التام لحين انتهاء انتخابات الرئاسة القادمة.

لقد نجحت الدولة من قبل فى تحويل شارع الصحافة إلى مقبرة جماعية للأقلام الثائرة، وقد جاء الدور للقضاء على المتنفس الوحيد للصحفيين فى الصحف المستقلة والفضائيات الخاصة!. العلاقة بين رجال الأعمال والنظام علاقة حياة أو موت، فملاك وسائل الإعلام الخاصة وجودهم مرهون بوجود نفس الدولة بنفس الوجوه والآليات.. ورقابنا جميعا معلقة بالمادة ٧٦ من الدستور!!.

فى الأيام القادمة أتوقع تهما عديدة للصحفيين من عينة: (مقالات تثير الفتنة الطائفية، أخبار تبلبل الرأى العام، شائعات تهدد الاقتصاد...إلخ). إنه عام البطش، الدولة ترفع خلاله شعار: (من ليس معنا فهو علينا).. فتحسس قلمك!!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق